إن لم نعترف كلنا حكومة وشعبا أن هناك طائفية بجرائمها المعلنة ضد المصريين المسيحيينآ فإننا لن نرتاح أبدا من الاعتداءات المجرمة، وستظل تبعاتها الخطيرة تلقى بظلالها على حياتنا وعلى السلام الاجتماعي وربما على أمننا القومي، فالتاريخ يقول لنا إنه تحت دعاوى حماية الأقليات تم احتلال دول أو تركيعها أو فرض أجندات لا يمكن لدولة حرة تحترم سيادتها واستقلال قرارها أن تقبلها!
إذن الاعتراف ومواجهة موجات الكراهية لكل ماهو قبطى بعدما سمحنا لسنوات لاتحصى ولا تعد بتكفيرهم علنا فى المساجد، وتحت أعين الجهات المسؤولة والمعنية، لن أسميها بالاسم، فكلنا نعرفها، حتى لا نتهم بازدراء الأديان أو أصحاب العمائم المسؤولون فى جزء كبير عن تلك الفتنة، فقد سمحوا بتدريس أحاديث تحض على الكراهية وتكفير الآخر، وتدعيم تفسيرات تدعو لنفس مشاعر الكراهية والاستعلاء على الآخرين حتى لو كانوا من نفس الديانة، فما بالك من الأديان السماوية الأخرى، والتى قال الله فى قرآنه العزيز عنهم "وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى" وقال سبحانه أيضا "لانُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ" ولكن شيوخ الفتنة قالوا سمعنا وعصينا، وأتوا بممارسات لا يقرها دين أو ضمير إنساني، وتجاوزوا بعدها كل الخطوط الحمراء، بعدما تم تطيمنهم بخضوعنا لهم إما مؤيدين أو صامتين عجزا وكلهم خيانة لكلام الله وسنة نبيه!
إذن الاعتراف علنا بمحنة المسيحيين وممارسات العداء والكراهية ضدهم مطلوب قبل الاعتذار وتقبيل اللحى و"اللى فى القلب في القلب يا كنيسة" كما يقولون فى الحجرات المظلمة.
لا بد أن نواجه أنفسنا ونراجعها، بعدما سمحنا لتلك الفئة الضالة فعلا أن تغير قلوب الكثيرين منا، خاصة فى الأحياء البسيطة والمحافظات البعيدة والتى تركت لقمة سائغة لشيوخ التطرف والكراهية والجهل، يبثون سمومهم ويقنعونهم أن هؤلاء كفار تستحل دماؤهم وأعراضهم وأموالهم ومساكنهم، بتفسيرات تلاعبت بمعانى كلمات اختلف استخدامها فى عصورها ووقتها وأحداث أخرجت عن سياقها وأسباب تنزيل كانت خاصة بحادثة معينة، لا حكما أبديا، ولم يجدوا من يردونهم عن غيهم، بأحاديث الرسول الصحيحة، والتي أوصانا فيها بالأقباط والنساء خيرا، وكلنا نعرف الشر والضرر والاستهانة التى عوملوا بها، عكس وصايا الرسول ومن قبلها القرآن العظيم.
إن لم نواجه أنفسنا، ونطبق القانون الرادع على الجميع ولا نسمح بالجلسات العرفية "العار" التى تساوى بين المجرم والضحية، ونقبل ان يقهر الضحايا وتفرض عليهم الهجرة خارج قراهم، أو ندير وجوهنا عن منعهم من الصلاة فى بيوتهم إن عجزوا عن أدائها فى كنائسهمآ وإذا سمحنا صمتا وتواطؤا أن يمنعوا من تقلد مناصب معينة أو حتى أن نسمح لهم باللعب فى رياضات معينة، فإننا لابد أن نعد أنفسنا لمستقبل من الصراع الطائفي، كلنا سندفع ثمنه لا جدال.
لا تستضعفوا المسيحيين، فهم حتى الآن رغم كل ما تعرضوا له من قهر وظلم وتفريط فى الحقوق مازالوا يعتبرون أن ذلك وطنهم، وتاريخهم يشهد أنهم ما تواطأوا مع مستعمر حاول أن يستميلهم باسم الدين المشترك وقاوموه كمصريين، فلا تنزعوا عنهم تلك الوطنية وذلك الانتماء ولا تجبروهم على العنف المماثل، فللصبر حدود وقدرة تحمل الآلام وقيم "أحب عدوك وتمنى الخير لقاتلك" لن تصمد طويلا والخاسر فى النهاية هو الوطن أيها الراشدون.
فهل يفعلها كبراؤنا وعواقلنا قبل مسؤولينا وشيوخنا الذين أثبتت الحوادث المتلاحقة أنهم عجزوا وفشلوا حتى تلك اللحظة عن درء الفتنة ومنع أسبابها؟
المواجهة لابد أن تبدأ اليوم وليس غدا، تبدأ بتلجيم أفواه السلفيين وسيطرتهم على دور الحضانة والمدارس قبل الزوايا والمساجد، تبدأ بتنقية كتب الفتنة وأحاديث الكراهية الموضوعة فى عصور الضعف والانحطاط والإسرائيليات المضعفة لأي صحوة إسلامية حقيقية تدعو للحب والرحمة والتكافل الإنسانى وأن الله هو الواحد بعث لكل أصحاب الأديان برسلهم الذين لا نفرق بينهم.
فهل نقولها عمليا، سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، أم سمعنا وأطعنا للوهابية وأذنابهم السلفيين!
-----------------------
بقلم وفاء الشيشيني